فصل: باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


وكل هذه الأقوال قد رويت عن السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله وذكرتها في التمهيد‏.‏

279- والثالث حديثه عن عبد الله بن يزيد المدني وعن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم ثم ركع وسجد ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك وليس في هذا الحديث معنى غير ما تقدم في الحديثين اللذين قبله إلا أن قول عائشة فيه كان يصلي جالسا تعني في النافلة لولا ما تقدم عنها في الحديثين اللذين قبله أن ذلك لم يكن منه حتى أسن وضعف عن القيام وكان ذلك منه قبل وفاته بعام لكان ظاهره يقضي بصلاة النافلة جالسا على كل حال‏.‏

280- وأما قوله في هذا الباب أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان فقد روى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتبى في آخر صلاته ذكره عبد الرزاق عن معمر وذكر عن الثوري عن بن أبي ذئب عن الزهري عن بن المسيب مثله قال فإذا أراد أن يسجد ثنى رجله وسجد قال معمر ورأيت عطاء الخرساني يحتبي في الصلاة التطوع وقال ما أراني أخذته إلا عن سعيد بن المسيب ومعمر عن أيوب عن بن سيرين أنه كان يصلي في التطوع محتبيا وكان عمر بن عبد العزيز يصلي جالسا محتبيا فقيل له في ذلك فقال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان أكثر صلاته وهو جالس نجز الجزء الثاني بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد رسوله وعبده وعلى آله وصحبه وذريته وأهل بيته وسلم تسليما كثيرا وذلك في العشر الأول من شعبان المكرم سنة ست وستمائة فرحم الله كاتبه وكاسبه والقارئ فيه ومن دعا لهم بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين أجمعين آمين آمين والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما‏.‏

باب الصلاة الوسطى

281- مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال أمرتنى عائشة أن أكتب لها مصحفا وذكر الحديث وفيه فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قالت عائشة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

282- وعن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها بمثل معناه قال قالت ‏(‏حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين‏)‏ ولم يرفع حديث حفصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث دليل على صحة مذهب من ذهب إلى أن القرآن نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم ومن قال بهذا يقول إن النسخ على ثلاثة أوجه في القرآن أحدها نسخ الخط والتلاوة والرسم مبينا ولا يعرف ولا يقرأ إلا أنه ربما رويت منه أشياء على سبيل الرواية لا يقطع شيء منها على الله تعالى وذلك نحو ما جاء في الحديث أنه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم وقوله لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ومنها أيضا قوله بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا وهذا من حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا وذكره ومنها قول عائشة كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات ثم نسخت بخمس معلومات ومن هذا قول من قال إن سورة الأحزاب كانت نحوا من سورة البقرة والأعراف وقد روى مالك عن أبي بن كعب وبن عباس وعمرو بن دينار وقد ذكرنا ذلك بالأسانيد عنهم في التمهيد واتسعنا هذا المعنى هناك والحمد لله والوجه الثاني أن ينسخ خطه ويبقى حكمه نحو قول عمر بن الخطاب قد قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة الحديث على ما ذكر في التمهيد وغيره ومن هذا قوله وصلاة العصر عند من ذهب إلى هذا والوجه الثالث أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف وهذا كثير نحو قوله ‏(‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا وصية لأزوجهم متعا إلى الحول غير إخراج ‏[‏البقرة 240‏]‏‏.‏

نسختها ‏(‏يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ‏[‏البقرة 234‏]‏‏.‏

وهو من الناسخ والمنسوخ والمجتمع عليه وقد أنكر قوم أن يكون قوله وصلاة العصر من باب الناسخ والمنسوخ وقالوا إنما هو من معنى السبعة أحرف التي أنزل القرآن عليها وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقال صلى الله عليه وسلم كلها أنزلت فاختار الصحابة في زمن عثمان لما خافوا على من دخل في الدين من سائر الناس غير العرب ‏(‏أن يلحنوا فيه فجمعوا‏)‏ الناس عليه وهو حرف زيد بن ثابت وسنبين ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف فمن الأحرف السبعة التي هي في معنى وصلاة العصر قراءة عمر ‏(‏بن الخطاب‏)‏ وعبد الله بن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وقراءة بن مسعود فلا جناح عليه ألا يطوف بهما وقراءة أبي بن كعب ‏(‏وبن عباس و‏)‏ أما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين وقراءة بن مسعود فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون ‏(‏الغيب ما لبثوا‏)‏ في العذاب المهين ومثل هذا كثير قد جمعه جماعة من علماء هذا الشأن وقد أنكر آخرون أن يكون ‏(‏شيء‏)‏ من القرآن ‏(‏إلا ما بين لوحي‏)‏ مصحف عثمان بن عفان وقد ذكرنا أقوالهم ووجوهها في التمهيد وفي هذا الحديث دليل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر لقوله فيه وصلاة العصر وهذه الواو تسمى الفاصلة لأنها فصلت بين الصلاة الوسطى وبين صلاة العصر وقد ذكرنا حديث حفصة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حسب حديث عائشة في ذلك في التمهيد من طرق وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن حفصة قال نافع فرأيت الواو فيها على أنه قد روي أيضا في حديث حفصة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر بلا واو وقد ذكر أيضا في التمهيد ولم يختلف في حديث ‏(‏عائشة عن‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الاختلاف في حديث حفصة وفي رفعه وفي ثبوت الواو فيه وقد قال بعض من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى صلاة العصر دخول الواو في قوله تعالى صلاة العصر وخروجها وسقوطها منه وثبوتها فيه سواء المعنى فيه حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر واحتج في ذلك برواية من رواها كذلك حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقد ذكرنا الرواية بذلك في التمهيد واستشهد في ذلك بقول الشاعر ‏(‏إلى الملك القرم وبن الهما م وليث الكتيبة في المزدحم‏)‏ يريد الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة لأنه إنما أراد هو دون أبيه قال ومن هذا المعنى قول تعالى ‏(‏فيهما فكهة ونخل ورمان ‏[‏الرحمن 68‏]‏‏.‏

والمعنى فاكهة نخل ورمان ومنه أيضا قوله تعالى ‏(‏من كان عدوا لله وملئكته ورسله وجبريل وميكل‏)‏ ‏[‏البقرة 98‏]‏‏.‏

والمعنى وملائكته جبريل وميكائيل وقد خولف هذا القائل في ما ادعاه ومن هذا المعنى بما قد ذكرناه في غير موضع والحمد لله‏.‏

وأما اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى فقالت طائفة الصلاة الوسطى صلاة الصبح‏.‏

283- ذكر مالك في موطأه أنه بلغه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان الصلاة الوسطى صلاة الصبح وهذا صحيح عن بن عباس من وجوه صحاح ثابتة عنه وغير صحيح عن علي ولا يوجد هذا القول في الصلاة الوسطى عن علي إلا من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة بن أبي ضميرة عن علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ وحسين هذا متروك الحديث مجمع على ضعفه روى حديث حسين هذا عنه إسماعيل بن أبي أويس ويحيى بن يحيى الأندلسي وغيرهما والمحفوظ المعروف عن علي أنها صلاة العصر وسنذكر هذا عنه فيما بعد إن شاء الله وإنما قول بن عباس في الصلاة الوسطى أنها صلاة الصبح فمعلوم عنه ذلك من طرق كثيرة ‏(‏منها‏)‏ ما حدثناه إسماعيل بن عبد الرحمن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك قال حدثنا أبو مروان العثماني قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن بن عباس أنه كان يقول الصلاة الوسطى صلاة الصبح تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار وهي أكثر الصلاة تفوت الناس وذكره إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي بإسناده مثله قال إسماعيل‏.‏

وحدثنا ‏(‏به‏)‏ محمد بن أبي بكر قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس مثله قال إسماعيل‏.‏

وحدثنا إبراهيم بن حمزة أيضا وعلي بن المدني قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد قال حدثني زيد بن أسلم قال سمعت بن عمر يقول الصلاة الوسطى صلاة الصبح قال إسماعيل يدل على قول بن عباس وبن عمر من ذلك قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا‏)‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

فخصت صلاة الصبح بهذا النص مع أنها منفردة بوقتها ‏(‏لا يشاركها غيرها في هذا الوقت‏)‏ ولا تجمع مع غيرها في سفر ولا حضر فدل على أنها الوسطى والله أعلم قال أبو عمر قد اختلف عن بن عمر في هذا وعن عائشة أيضا قد روي عنها الصبح وروي عنها العصر وكذلك اختلف عن بن عباس في أنها الصبح والعصر جميعا إلا أن الرواية عنه أنها الصبح من رواية أهل المدينة وهي أثبت عنه عندنا والله أعلم وممن قال إنها صلاة الصبح طاوس وعطاء ومجاهد وبه قال مالك وأصحابه وقال آخرون الصلاة الوسطى صلاة الظهر روي ذلك عن زيد بن ثابت وهو أثبت ما روي عنه في ذلك وروي ‏(‏ذلك‏)‏ أيضا عن بن عمر وعائشة وأبي سعيد الخدري على اختلاف عنهم أنها الظهر وروي ذلك أيضا عن عبد الله بن شداد وعروة بن الزبير وقد ذكرنا الطرق بذلك عن زيد بن ثابت في التمهيد‏.‏

284- وهو عند مالك عن داود بن الحصين عن بن يربوع المخزومي عن زيد بن ثابت وقال إسماعيل من قال إنها الظهر ذهب إلى أنها وسط النهار أو لعل بعضهم روى في ذلك أثرا فاتبعه وقال آخرون الصلاة الوسطى صلاة العصر وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه جماعة من أصحابه منهم علي رضوان الله عليه وغيره رواه عن علي يحيى بن الجزار وشتير بن شكل وزر بن حبيش والحارث والأحاديث عنه في ذلك صحاح ثابتة أسانيدها حسان ذكر إسماعيل قال أخبرنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زر قال قلت لعبيدة سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله قال كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا هذا لفظ أحدهم عن علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وممن قال إنها العصر علي بن أبي طالب روي ذلك عنه من وجوه وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري على اختلاف عنه وعن عائشة على اختلاف عنها وهو قول عبيدة السلماني والحسن البصري ومحمد بن سيرين والضحاك بن مزاحم وسعيد بن جبير وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وأكثر أهل الأثر وروي عن بن عباس خلاف الرواية الأولى وقد ذكرناها في التمهيد وذكرنا الطرق عن علي وعائشة وبن عمر وأبي سعيد وبن عباس بالاختلاف عنهم واحتج من قال إنها العصر بقوله صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله فخصها بالذكر والتأكيد كما قال تعالى ‏(‏حفظوا على الصلوات والصلوة الوسطى ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

تأكيدا لها وتعظيما والله أعلم واحتج أيضا بحديث زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ‏(‏حفظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قنتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قالوا فهذا زيد بن أرقم يذكر أن الآية هكذا أنزلت ليس فيها وصلاة العصر وهو الثابت بين الوحيين بنقل الكافة أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد‏.‏

وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا بكر بن محمد بن العلاء القشيري قال حدثنا زياد بن الخليل قالا حدثنا إسماعيل بن خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه في حاجته حتى نزلت هذه الآية ‏(‏حفظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قنتين‏)‏ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ومما يؤكد أنها العصر حديث عمارة بن رويبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله على النار وهذا الحض بين يقتضي صلاة الصبح وصلاة العصر والاختلاف القوي في الصلاة الوسطى إنما هو في هاتين الصلاتين وما روي في الصلاة الوسطى في غير الصبح والعصر ضعيف لا تقوم به حجة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن بن عباس ‏(‏وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‏)‏ ‏[‏ق 39‏]‏‏.‏

قال الصلاة المكتوبة يعني الصبح والعصر وبه قال قتادة وغيره وقال آخرون الصلاة الوسطى صلاة المغرب روى ذلك عن قبيصة بن ذؤيب وقال ألا ترى أنها ليست بأقلها ركعات ولا أكثرها وأنها لا تقصر في السفر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها قال أبو عمر كل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا والله أعلم بمراده من قوله ذلك تبارك اسمه وكل واحدة من الخمس وسطى لأن قبل كل واحدة منها صلاتين فهي وسطى والمحافظة على جميعهن واجب وبالله التوفيق‏.‏

باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد

285- ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقيه‏.‏

286- وذكر فيه أيضا عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكلكم ثوبان ‏(‏لم يختلف في لفظهما و‏)‏ إسنادهما عن مالك وهما ثابتتان عند الجميع والصلاة في الثوب الواحد للرجل جائز لا خلاف فيه ‏(‏وكل ثوب ستر العورة والفخذين من الرجل جازت الصلاة‏)‏ فيه وإن كان الاختيار له عند العلماء التجمل بالثياب في الصلاة إن قدر ‏(‏على ذلك‏)‏ ‏(‏وقال الأخفش الاشتمال‏)‏ هو أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدميه برد طرف الثوب الأيمن ‏(‏على منكبه الأيسر فهذا هو الاشتمال‏)‏ قال والتوشح هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على ‏(‏منكبه الأيمن ويلقي طرف الثوب الأيمن من‏)‏ تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر قال فهذا هو التوشح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به‏.‏

وأما حديثه عن بن شهاب فلم يختلف رواة الموطأ عن مالك في ‏(‏إسناد هذا الحديث ولا متنه وقد ذكرنا من رواه عن‏)‏ بن شهاب في التمهيد وقد أجمع العلماء على أن من صلى مستور العورة ‏(‏فلا إعادة عليه وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور‏)‏ قدميها ويستر جميع جسدها إذا سترت شعرها فجائز لها ‏(‏الصلاة فيه لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر‏)‏ أهل العلم وسيأتي القول مستوعبا فيما يجزئ المرأة من ‏(‏الثياب في الصلاة في الباب التالي لهذا الباب‏)‏‏.‏

وأما الرجل فإن أهل العلم يستحبون أن يكون ‏(‏على عاتق الرجل ثوب إذا لم يكن متزرا‏)‏ في صلاته ويستحبون لكل من قدر على جميل الثياب يتجمل بها في صلاته كما يفعل في جمعته من سواكه وطيبه وقد ذكرنا في التمهيد حديث بن عمر إذ رأى نافعا مولاه يصلي في ثوب واحد فقال له ألم أكسك ثوبين قال قلت بلى قال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت تذهب في ثوب واحد قلت لا قال فالله أحق من تزين له أم الناس قلت بل الله ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد أحدكم ثوبين فليصل فيهما وفي قوله صلى الله عليه وسلم أو لكلكم ثوبان دليل على أن من كان معه ثوبان فيتزر بالواحد ويلبس الآخر أنه حسن أن يصلي فيهما معا وإنما قلنا إن ذلك حسن وليس واجبا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد صلوا في ثوب واحد ومعهم ثياب وذلك عندي تعليم منهم لمن يأخذ الدين عنهم وقبول لرخصة الله تعالى فيما رخص عنه من دينه وهذا يغني عن إعادة القول في‏.‏

287- حديث أبي هريرة حيث يقول إني لأصلي في ثوب واحد وإن ثيابي لعلى المشجب جوابا منه لمن سأله عن الصلاة في الثوب الواحد‏.‏

288- وكذلك القول في حديث جابر أنه كان يصلي في الثوب الواحد‏.‏

289- وحديث محمد بن عمرو بن حزم أنه كان يصلي في القميص الواحد‏.‏

290- وكذلك أعلى ذلك ما رواه مالك عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفا به وأن كان قصيرا فليتزر به وهذا بين فمن وجد ثوبين أن يصلي فيهما وقد استحب مالك لمن صلى في ثوب واحد أنه يجزيه إذا ستر منه عورته والاختيار التجمل بالثياب في الصلاة فهي من الزينة وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع امرؤ عليه ثيابه صلى في قميص ورداء في قميص وإزار في إزار ورداء وإذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم وقد روى أنس أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر وتهذيب آثار هذا الباب على كثرته حملها على ما وصفنا وبالله توفيقنا وكان مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ مع استحبابه أن يكون على عاتق المصلي في القميص ثوب قد خص له في الصلاة في القميص محلول الأزرار ليس عليه سراويل ولا إزار وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور وكان سالم بن عبد الله يصلي محلول الأزرار وقال داود الطائي إذا كان عظيم اللحية فلا بأس بذلك‏.‏

وقال الشافعي إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشيء لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب عورة فإن لم يفعل ورأى عورته أعاد الصلاة وهو قول أحمد بن حنبل وأجمع العلماء على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي عريانا وهو قادر على ما يستر به عورته من الثياب وإن لم يستر عورته وكان قادرا على سترها لم تجزه صلاته واختلفوا هل سترها من فروض الصلاة أم لا فقال أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء إنه من فروض الصلاة وإلى هذا ذهب أبو الفرج عمر بن محمد بن المالكي واستدل بأن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ قرن أخذ الزينة بإتيان المساجد يعني بالصلاة المأمور بها في قول الله عز وجل ‏(‏خذوا زينتكم عند كل مسجد‏)‏ ‏[‏الأعراف 31‏]‏‏.‏

هي الثياب الساترة للعورة لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء وروي عن بن عباس أنه قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول‏:‏

اليوم يبدو بعضه أو كله *** وما بدا منه فلا أحله

فنزلت ‏(‏يبنى ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد‏)‏ ‏[‏الأعراف 31‏]‏‏.‏

وقد أوردنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله قال أبو عمر ستر العورة من فرائض الصلاة واستدل بالإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يصلي عريانا وهو قادر على الاستتار به وأنه من فعل ذلك فلا صلاة له وعليه إعادة ما صلى على تلك الحال وهذا سنة وإجماع لا خلاف فيه وأن الآية في أخذ الزينة نزلت فيمن كان يطوف بالبيت عريانا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه فنادى أن لا يحج هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وقد ذكرنا الإسناد بذلك في غير هذا المكان قال أبو عمر استدل من جعل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا وقال آخرون ستر العورة فرض عن أعين المخلوقين لا من أجل الصلاة وستر العورة سنة مؤكدة من سنن الصلاة ومن ترك الاستتار وهو قادر على ذلك وصلى عريانا فسدت صلاته وكما تفسد صلاة من ترك الجلسة الوسطى عامدا وإن كانت مسنونة ولكلا الفريقين اعتلال يطول ذكره والقول الأول أصح في النظر وأصح أيضا من جهة الأثر وعليه الجمهور واختلف العلماء في العورة من الرجل ما هي فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور ما دون السرة إلى الركبة عورة‏.‏

وقال الشافعي ليست السرة ولا الركبتان من العورة‏.‏

وقال أبو حنيفة الركبة عورة وكذلك قال عطاء وحكى بن حامد الترمذي أن للشافعي في السرة قولين واختلف المتأخرون من أصحابه في ذلك أيضا على ذينك القولين فطائفة منهم قالت السرة من العورة وطائفة قالت السرة ليست بعورة قال وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته وهذا ما لا أعلم أن أحدا قاله غيره وقال بن أبي ذئب العورة من الرجل الدبر والقبل دون غيرهما وهو قول داود وأهل الظاهر وقول بن علية والطبري فمن حجة من قال إن ما بين السرة والركبة عورة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الفخذ عورة روي ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه من حديث علي بن أبي طالب ومن حديث بن عباس وحديث محمد بن جحش وحديث قبيصة بن مخارق وحديث جرهم الأسلمي وأن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي سأله كشف ذلك فكشف له عن بدنه فقبلها وقال أقبل منك ما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة ولا مكنه الحسن منها ومن حجة من قال إن الفخذ ليست بعورة حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر ثم عمر فأذن لهما وهو على تلك الحال ثم استأذن عثمان فسوى عليه ثيابه ثم أذن له فسئل عن ذلك فقال إني أستحي ممن تستحي منه الملائكة وهذا الحديث في ألفاظه اضطراب‏.‏

باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار

291- ذكر فيه مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تصلي في الدرع والخمار‏.‏

292- وعن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت تصلي في الخمار والدرع السابع إذا غيب ظهور قدميها‏.‏

293- وعن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن الأسود الخولاني وكان في حجر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن ميمونة كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار فأما حديث عائشة رضي الله عنها فذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن فضيل عن عاصم بن سليمان الأحول عن معاذة عن عائشة أنها كانت تصلي في درع وخمار قال‏.‏

وحدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال سئلت عائشة فبكم تصلي المرأة فقالت أتت عليا فاسأله ثم ارجع إلي فقال في درع سابغ وخمار فرجع إليها فأخبرها فقالت صدق وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏.‏

وأما حديث أم سلمة فرواه موقوفا على أم سلمة كما رواه مالك ومحمد بن إسحاق بن أبي ذئب وبكر بن مطر وجعفر بن غياث وإسماعيل بن جعفر كلهم رووه عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا عليها ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تصلي فيه المرأة قال في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها‏.‏

وأما حديث ميمونة فالثقة الذي رواه عنه مالك هو الليث بن سعد ذكر أبو الحسن علي بن عمر الحافظ الدارقطني قال حدثنا به إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا محمد بن الفرج الأزرق قال حدثنا منصور بن سلمة قال حدثنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله الخولاني قال رأيت ميمونة تصلي في درع سابغ ‏(‏ليس عليها إزار قال أبو سلمة منصور بن سلمة وهذا ما رواه مالك بن أنس عن الليث بن سعد قال أبو عمر أكثر ما ‏(‏يقول مالك حدثني الثقة فهو مخرمة بن بكير الأشج وقال أصحاب مالك بن وهب وغيره كل ما أخذه مالك من كتب بكير فإنه يأخذها من مخرمة ابنه فينظر فيها‏)‏ وروي أن المرأة تصلي في الخمار والدرع السابغ عن بن عباس وعروة بن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد وإبراهيم والحكم عن جابر بن زيد تصلي المرأة في درع صفيق وخمار صفيق وهو قول فقهاء الأمصار وقال بن عمر إذا صلت المرأة ‏(‏فلتصل في ثيابها‏)‏ كلها الدرع والخمار والملحفة وروي عن عبيدة أن المرأة تصلي في الدرع والخمار والحقو رواه بن أبي شيبة وقال مجاهد لا تصلي المرأة في أقل من أربع أثواب وهذا لم يقله غيره وهذه الأثواب الخمار والدرع والملحفة والإزار قال أبو عمر لهذا والله أعلم ترجم مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ ‏(‏‏)‏ في صلاة المرأة في الدرع والخمار حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا سليمان التيمي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار‏.‏

294- وأما حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت إن المنطق يشق علي أفأصلي في درع وخمار فقال نعم إذا كان الدرع سابغا فإن المنطق ها هنا الحقو وهو الإزار والسراويل والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ وتخمر رأسها فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها واختلفوا في ظهور قدميها فقال مالك والليث بن سعد تستر قدميها في الصلاة قال مالك فإن لم تفعل أعادت ما دامت في الوقت وعند الليث تعيد أبدا‏.‏

وقال الشافعي ما عدا وجهها وكفيها عورة فإن انكشف ذلك منها في الصلاة أعادت ولا إعادة عنده مقصورة على الوقت في شيء من الصلاة وكل ما قال فيه عليه الإعادة وذلك عنده في الوقت وبعده‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري قدم المرأة ليست بعورة إن صلت وقدمها مكشوفة لم تعد قال أبو عمر لا خلاف علمته بين الصحابة في ستر ظهور قدمي المرأة في الصلاة وحسبك بما جاء في ذلك عن أمهات المسلمين ‏(‏رضي الله عنهن‏)‏ وقد أجمعوا أن الرجل إذا صلى وشيء من عورته مكشوف أعاد أبدا والمرأة الحرة عورة كلها حاشى ما لا يجوز لها ستره في الصلاة والحج وذلك وجهها وكفاها فإن المرأة لا تلبس القفازين محرمة ولا تلتفت في الصلاة ولا تتبرقع في الحج وأجمع العلماء على أنها لا تصلي متنقبة ولا متبرقعة وفي هذا أوضح الدلائل على أن وجهها وكفيها ليس شيء من ذلك عورة ولهذا لا يجوز النظر إلى وجهها في الشهادة عليها‏.‏

وأما النظر لشهوة إلى غير حليلة أو ملك يمين مع التأمل فمحظور غير مباح وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها وأقول لا نعلمه قاله غيره إلا أحمد بن حنبل فإنه جاءت عنه رواية بمثل ذلك واختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل ‏(‏ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها النور فروي عن بن عمر وبن عباس في قوله ‏(‏إلا ما ظهر منها‏)‏ قال الوجه والكفان وروي عن بن مسعود أنه قال البنان والقرط والدملج وروي عنه أيضا أنه قال الخلخال والخاتم والقلادة واختلف التابعون في ذلك على هذين القولين وعلى قول بن عباس وبن عمر جماعة الفقهاء وبالله التوفيق الحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما‏.‏

كتاب قصر الصلاة في السفر

باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر

295- مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك هكذا رواه أكثر الرواة عن مالك مرسلا وقد روي عنه عن داود عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا العلة في إسناد هذا الحديث والاختلاف فيه على يحيى وغيره عن مالك في التمهيد وقال أبو بكر البزار قد روي الجمع بين الصلاتين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين أحدهما زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة والآخر عبد الرحمن بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال وقد روي ذلك عن ‏(‏بن عباس‏)‏ وبن عمر ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وقد روي ذلك أيضا عن جابر وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر مالك في حديثه هذا الجمع بين المغرب والعشاء وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفره إلى تبوك يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من حديث معاذ بن جبل قال أبو عمر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال حدثنا أبو بكير الحنفي قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح وأحمد بن محمد البرتي قالا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي بن مسهر عن بن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال جمع رسول الله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا المفضل بن فضالة عن الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب والعشاء مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما قال أبو داود روى حديث معاذ بن جبل هذا بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ على معنى ما رواه مالك قال أبو عمر قد ذكرنا طرق هذا الحديث واختلاف ألفاظ الرواة في التمهيد‏.‏

296- وأما حديث مالك ‏(‏الذي‏)‏ ذكره في هذا الباب من الموطأ بعد حديثه عن داود بن الحصين ذكره عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل فصلى المغرب والعشاء جميعا ثم قال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مسستما من مائها شيئا فقالا نعم فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا‏.‏

297- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء قال أبو عمر ليس في حديث بن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير بدليل حديث معاذ بن جبل لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر وإنما التعارض لو كان في حديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ وإنما هما حديثان حكى الراوي لكل واحد منهما ‏(‏‏)‏ الجمع للمسافر بالصلاتين جد به السير أو لم يجد ولو تعارض الحديثان لكان الحكم لحديث معاذ لأنه أثبت ما نفاه بن عمر وليس للنافي شهادة مع المثبت وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب روى بن القاسم عن مالك أنه قال لا يجمع المسافر في حج أو عمرة إلا أن يجد به السير أو يخاف فوت أمر فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك في المغرب والعشاء إن ‏(‏ارتحل‏)‏ عند الزوال فيجمع حينئذ في المرحلة بين الظهر والعصر ولم يذكر في العشائين الجمع عند الرحيل أول الوقت قال سحنون وهما كالظهر والعصر قال أبو عمر رواية بن القاسم هذه تضاهي مذهب الكوفيين في الجمع بين الصلاتين للمسافر ورواية أهل المدينة عن مالك بخلاف ذلك قال عبد الملك بن حبيب عن شيوخه وللمسافر أن يجمع بين الصلاتين ليقطع سفره وإن لم يخف فوات شيء يبادره وذكر أبو الفرج عن مالك قال ومن أراد الجمع بين الصلاتين في السفر جمع بينهما إن شاء في آخر وقت الأولى منهما وأن شاء في آخر وقت الآخرة منهما وإن شاء أخر الأولى فصلاها في آخر وقتها وصلى الثانية في أول وقتها قال وذلك كجواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة قال أبو الفرج وأصل هذا الباب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر فقصر وجمع بينهما كذلك والجمع أيسر خطبا من القصر فوجب الجمع بينهما في الوقت الذي جمع بينهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر الجمع بين الصلاتين بعرفة ثم بالمزدلفة أصل مجتمع عليه واجب أن يرد كل ما اختلف فيه من معناه إليه ذكر مالك في هذا الباب من الموطأ‏.‏

298- مالك عن بن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر فقال نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة ‏(‏عبد الرزاق‏)‏ قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال جاءت امرأة إلى طاوس فقالت ‏(‏إني أكره أبي حملني على ‏)‏ الجمع بين الصلاتين ‏!‏ ‏(‏قال لا يضرك أما ترين‏)‏ الناس يجمعون بين الصلاتين صلاة الهاجرة وصلاة ‏(‏العصر بعرفة والمغرب والعشاء بجمع‏)‏ قال أبو عمر هذا دليل على جواز الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما إن شاء قدم الثانية إلى الأولى كالصلاة بعرفة وإن شاء أخر الأولى إلى دخول وقت الثانية ثم جمعهما كالصلاة بمزدلفة وقال الليث بن سعد لا يجمع بين الصلاتين إلا من جد به السير وقال الأوزاعي لا يجمع بين الصلاتين إلا من عذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بينهما وعن الثوري نحو هذا وعنه أيضا ما يدل على جواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما للمسافر وإن لم يجد به السير‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر ولا حضر لا صحيح ولا مريض في صحو ولا مطر إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ثم ينزل فيصليها ثم يمكث قليلا ويصلي العصر في أول وقتها وكذلك المريض قالوا‏.‏

وأما أن يصلي صلاة في وقت أخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير وحجتهم ما رواه الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا في وقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر يوم عرفة وبين المغرب والعشاء بجمع قال أبو عمر ليس في هذا حجة لأن عند بن مسعود فقط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين في السفر بغير عرفة والمزدلفة ومن حفظ وشهد حجة على من لم يحفظ ولم يشهد‏.‏

وقال الشافعي وأصحابه من كان له أن يقصر فله أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما إن شاء في وقت الأولى وإن شاء في وقت الآخرة وهو قول عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله بن عمر وجمهور علماء الحجاز وبه قال إسحاق بن راهويه وداود بن علي وهو قول ربيعة وأبي الزناد ومحمد بن المنكدر وصفوان بن سليم وأبي حازم وزيد بن أسلم وقد ذكرنا الآثار بذلك عنهم في التمهيد‏.‏

وقال أحمد بن حنبل وجه الجمع للمسافر أن يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يجمع بين المغرب والعشاء قال فإن قدم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب فأرجو أن لا يكون به بأس قال إسحاق بن منصور فذكرت قول أحمد لإسحاق فقال إسحاق لا بأس بذلك وقال الطبري للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر ما بين الزوال إلى أن تغيب الشمس وبين المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر قال والجمع في المطر كذلك قال أبو عمر الحجة عند الاختلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يوجد فيه نص من كتاب الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وقد مضى ذكر السنة من حديث معاذ بن جبل وغيره وما أجمعوا عليه في صلاتي عرفة والمزدلفة فأغنى ذلك عما سواه والحمد لله ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومن قال بقوله لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة ما بين هذين وقت فأجاز الصلاة في آخر الوقت ولو لم يجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر وتوسعة في الوقت كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر وما يلقى فيه من المشقة في الأغلب وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عده أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ولا بين العشاء والصبح ولو كان ‏(‏الجمع بين الصلاتين في السفر على ما ذهب أبو حنيفة إليه‏)‏ والقائلون بقوله لجاز الجمع بين العصر والمغرب بأن يصلي العصر في آخر وقتها ثم يتمهل قليلا ويصلي المغرب وهذا كله شاهد على ما ذهبوا إليه في الجمع بين الصلاتين ودليل على أنهم دفعوا الآثار في ذلك برأيهم وبالله التوفيق لا شريك له وفي حديث مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ في هذا الباب تقدم الإمام إلى العسكر بالنهي عما لا يريد فعله وله العفو فإن خالفه مخالف كانت له معاقبته بما يراه ردعا له عن مثل فعله وله العفو عنه فإن الله عفو يحب العفو ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حلمه وما كان عليه من الخلق العظيم كيف سب الرجلين وقال لهما ما شاء الله أن يقول إذ خالفاه وأتيا ما قد نهى عنه وفيه علم عظيم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ غسل وجهه ويديه بقليل من ماء تلك العين ثم صبه فيها فجرت العين بماء كثير عمهم وفضل عنهم وتمادى إلى الآن ولعله يتمادى إلى قيام الساعة وهكذا النبوة‏.‏

وأما السحر فلا يبقى بعد مفارقة عين صاحبه والله أعلم قال بن وضاح أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة بعده وفيه إخباره صلى الله عليه وسلم بغيب كان بعده وهذا وغيره ليس عجيبا منه ولا مجهولا من شأنه ولا مستغربا من فعله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما قوله في الحديث والعين تبض بشيء من ماء وهي الرواية عندنا ‏(‏بالضاد المنقوطة‏)‏ فمعناه أنها كانت تسيل بشيء من الماء ضعيف قال حميد بن ثور الهلالي‏:‏

منعمة لو يصبح الذر ساريا *** على جلدها بضت مدارجه دم

هذه رواية الأصمعي في شعر حميد بن ثور ورواية غيره‏:‏

مهاة لو أن الذر يمشي ضعابه *** على متنها بضت مدارجه دم

وقد فسر بضت بمعنى سالت والتفسير الأولى بمعنى الحديث وتقول العرب للموضع الذي يندى قد بض وتقول ما بض بقطرة‏.‏

وأما من رواه بالصاد من البصيص فمعناه أنها كانت يضيء فيها الماء ويبرق ويرى له بصيص والرواية الأولى أكثر‏.‏

301- وفي هذا الباب أيضا حديث مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر قال مالك أرى ذلك كان في مطر وهذا الحديث صحيح لا يختلف في صحته وقد روي عن بن عباس من وجوه وإن كان في بعض ألفاظ رواته اختلاف فرواه حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قيل لابن عباس ما أراد بذلك قال أراد ألا يحرج أمته هكذا رواه حبيب بن أبي ثابت بإسناده المذكور فقال فيه من غير خوف ولا مطر فخالف أبا الزبير وحبيب بن أبي ثابت أحد أئمة أهل الحديث من الكوفيين وأبو الزبير أيضا حافظ وكذلك رواه عنه الثوري كما رواه مالك رواه وكيع وغيره عن الثوري عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر وقد روى صالح مولى التوأمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقال فيه من غير خوف ولا مطر كما قال حبيب بن أبي ثابت وهذا ليس بالقوي لأنه تغير بآخره‏.‏

وأما تأويل مالك فيه وقوله أرى ذلك كان في مطر فقد تابعه على ذلك جماعة بالمدينة وغيرها منهم الشافعي وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر المطر إلا طائفة شذت سنورد ما إليه ذهبت في هذا الباب إن شاء الله واختلفوا في ذلك لعذر المطر فقال مالك وأصحابه أما المغرب والعشاء فجائز أن يجمع بينهما في حال المطر قال ويجمع بينهما إذا كان طين وظلمة وإن لم يكن مطر فهذا هو المشهور من مذهب مالك في مساجد الجماعات في كل البلدان ولا يجمع بين الظهر والعصر عند مالك ولا عند أحد من أصحابه في المطر وروى زياد بن عبد الرحمن عن مالك أنه قال لا يجمع بين الصلاتين ليلة المطر في شيء من الأمصار وغير المصار إلا بالمدينة خاصة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وأنه ليس هناك غيره وهو يقصد من بعد قال أبو عمر وروي عن عبد الله بن عمر وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز أنهم كانوا يجمعون بين الصلاتين ليلة المطر وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وهو أمر مشهور بالمدينة معمول به فيها وبه قال أحمد وإسحاق والجمع عند مالك بين المغرب والعشاء ليلة المطر أن يؤخر المغرب ثم يؤذن لها وتقام فتصلى ثم يؤذن في داخل المسجد للعشاء ويقيمونها وتصلى ثم ينصرفون مع مغيب الشفق وقال مرة أخرى ينصرفون وعليهم أسفار وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل يجمع بين الظهر والعصر في المطر قال لا ما سمعت قلت فالمغرب والعشاء قال نعم قلت قبل مغيب الشفق قال لا الأولى كما صنع بن عمر قلت فسنة الجمع فيهما في السفر فقال تؤخر أيضا حتى يغيب الشفق‏.‏

وقال الشافعي يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المطر الوابل إذا كان المطر دائما ولا يجمع في غير المطر وبه قال أبو ثور والطبري لحديث بن عباس هذا من رواية مالك وغيره عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر وتأولوا ذلك في المطر قال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في المطر لا الظهر والعصر ولا المغرب والعشاء وهو قول الليث بن سعد وبه قال أكثر أصحاب داود وقالت طائفة شذت عن الجمهور الجمع بين الصلاتين في الحضر وإن ‏(‏لم يكن مطر مباح‏)‏ إذا كان عذر وضيق على صاحبه ويشق عليه وممن قال ذلك محمد بن سيرين وأشهب صاحب مالك وكان ‏(‏بن سيرين لا يرى بأسا أن يجمع‏)‏ بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو عذر ما لم يتخذه عادة وقال أشهب بن عبد العزيز لا بأس بالجمع عندي بين الصلاتين كما جاء في الحديث من غير خوف ولا سفر وإن كانت الصلاة في أول وقتها أفضل وهذا الجمع عندي بين صلاتي النهار في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك صلاة المغرب والعشاء في آخر وقت الأولى منهما وأول وقت الآخرة جائز في الحضر والسفر فأما أن يجمع أحد بين الصلاتين في وقت إحداهما فلا إلا في السفر قال أبو عمر احتج من ذهب هذا المذهب بحديث عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن بن عباس قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيا جميعا وسبعا جميعا قال عمرو بن دينار قلت لأبي الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذلك قال أبو عمر قد ذكرنا طرق أحاديث هذا الباب كلها في التمهيد ولا حجة في هذا الحديث وما كان مثله لمن جعل الوقت في صلاتي الليل وفي صلاتي النهار ‏(‏في الحضر‏)‏ كهو في السفر وأجاز الجمع بين الصلاتين في الحضر في وقت إحداهما لأنه ممكن أن تكون صلاته بالمدينة في غير خوف ولا سفر كانت بأن أخر الأولى من صلاتي النهار فصلاها في آخر وقتها وصلى الثانية في أول وقتها وصنع مثل ذلك بالعشاء بين على ما ظنه أبو الشعثاء وتأول الحديث عليه هو وعمرو بن دينار وموضعهما من الفقه الموضع الذي لا فوقه موضع وإذا كان ذلك غير مدفوع إمكانه وكان ذلك الفعل يسمى جمعا في اللغة العربية بطلت الشبهة التي نزع بها من هذا الحديث من أراد الجمع في الحضر بين الصلاتين في وقت إحداهما لأن جبريل أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات في الحضر ثم سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بين الصلاتين على حسب ما تقدم ذكرنا في هذا الباب وسن للمسافر ذلك كما سن له القصر في السفر مع الأمن توسعة أذن الله له فيها فسنها لأمته فلا يتعدى بها إلى غير ما وضعها عليه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما قول بن عباس إذ سئل عن معنى جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في الحضر فقال أراد أن لا يحرج أمته فمعناه مكشوف على ما وصفنا أي لا يضيق على أمته فتصلي في أول الوقت أبدا وفي وسطه أو آخره أبدا لا تتعدى ذلك ولكن لتصل في الوقت كيف شاءت في أوله أو وسطه أو آخره لأن ما بين طرفي الوقت وقت كله‏.‏

وأما أن تقدم صلاة الحضر قبل دخول وقتها فلا والله أعلم واختلفوا أيضا في جمع المريض بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقال مالك إذا خاف المريض أن يغلب على عقله جمع بين الظهر والعصر عند الزوال وجمع بين العشاءين عند الغروب قال فأما إن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن ولم يخش أن يغلب على عقله فليجمع بينهما في وقت وسط الظهر وفي غيبوبة الشفق قال مالك والمريض أولى بالجمع من المسافر وغيره لشدة ذلك عليه قال مالك وإن جمع المريض بين الصلاتين وليس بمضطر إلى ذلك أعاد ما كان في الوقت فإن خرج الوقت فلا شيء عليه وقال الليث يجمع المريض والمبطون‏.‏

وقال أبو حنيفة يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر وقد قدمنا مذهبه ومذهب بن القاسم وروايته في جمع المسافر فيما مضى من هذا الباب‏.‏

وقال الشافعي لا يجمع المريض بين الصلاتين ولكن يصلي كل صلاة لوقتها على حسب ما يقدر عليه‏.‏

وقال أحمد وإسحاق يجمع المريض بين الصلاتين قال أبو عمر هذا عندي على حسب جمع المسافر عندهما والله أعلم‏.‏

302- مالك عن يحيى بن سعيد أنه سأل سالم بن عبد الله ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر فقال سالم غربت الشمس ونحن بذات الجيش فصلى المغرب بالعقيق هذا الحديث عند يحيى في الباب بعد هذا وهو من معنى هذا الباب وكذلك هو عند بعض الرواة واختلف في المسافة التي بين العقيق وبين ذات الجيش فذكر الأثرم عن القعنبي قال بين العقيق وبين ذات الجيش اثنا عشر ميلا وذكر علي بن عبد العزيز عن القعنبي قال ذات الجيش على بريدين من المدينة قال بن وضاح بين ذات الجيش وبين العقيق سبعة أميال وروى بن وهب ستة أميال‏.‏

باب قصر الصلاة في السفر

303- مالك عن بن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال بن عمر يا بن أخي إن الله عز وجل بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأيناه يفعل قال أبو عمر معنى قوله ولا نجد صلاة السفر يعني في القرآن لأنها لا ذكر لها في القرآن وسؤال السائل عن صلاة السفر في الأمن دون الخوف وإنما في القرآن قد قال الله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

فأجابه بن عمر بكلام معناه أن الذي نزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم قصر وهو آمن في السفر ونحن نفعل كما رأيناه يفعل‏.‏

304- مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر قال أبو عمر أما حديثه في هذا الباب عن بن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد فلم يختلف رواة موطأ مالك في إسناده إلا أنه لم يسمه ولا سمى الرجل السائل لعبد الله بن عمر وقد أقام إسناد هذا الحديث جماعة من رواة بن شهاب وسموا الرجل منهم معمر ويونس والليث بن سعد فرووه عن بن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه سأل بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ‏!‏ إنا نجد صلاة الخوف وذكروا الحديث وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه أن قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة مسنونة لا فريضة مذكورة في القرآن لأن القصر في القرآن إنما هو لمن ضرب في الأرض مسافرا إذا خاف الذين كفروا فصح القصر للمسافر بشرط السفر وشرط الخوف ثم قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمره وغزواته وحجته آمنا فكان ذلك زيادة بيان على ما في القرآن ولهذا نظائر قد ذكرناها في باب المسح على الخفين وفي كتاب النكاح عند نهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن إذن الله عز وجل فعله ولا يشرع في دين الله إلا ما أمره به قال الله تعالى ‏(‏فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلوة‏)‏ ‏[‏النساء 103‏]‏‏.‏

إذا وصلتم إلى أوطانكم ومواضع أمنكم فأتموا الصلاة فهذه صلاة الحضر وقد تقدمت صلاة السفر وقد نص عليهما جميعا القرآن حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة قال سألت بن عمر عن صلاة السفر قال ركعتان قلت أين قوله ‏(‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

ونحن آمنون قال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ الفقيه الحافظ عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم عن أبي نعيم وبينهما آخر والظاهر أنه بن أبي شيبة أبو بكر والله أعلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة الحذاء قال قلت لابن عمر أصلي ركعتين في السفر والله تعالى يقول ‏(‏وإن خفتم‏)‏ ونحن نجد الزاد والمزاد فقال كذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن بن جريج عن بن أبي عمار عن بن بابيه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال الله ‏(‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

وقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما سألتني عنه فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن بن جريج قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال تعالى ‏(‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

فقد ذهب ذلك اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته هكذا قال يحيى القطان عن بن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ورواه الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن بن جريج وهو الصواب الذي لا شك فيه وقد ذكرنا الاختلاف على عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار هذا والشواهد على صحة هذا القول في التمهيد قال علي بن المديني بن أبي عمار وبن بابيه مكيان ثقتان قال أبو عمر يقال عبد الله بن بابيه وبن باباه وبن بابى أيضا حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا بن عون عن بن سيرين عن بن عباس قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين ركعتين رواه أيوب وهشام ويزيد بن إبراهيم التستري عن بن سيرين عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عمر أجمع العلماء على أن للمسافر أن يقصر الصلاة إذا سافر في حج أو عمرة أو غزو سفرا طويلا أقله ثلاثة أيام فله أن يقصر ثلاثة أيام صلاة الظهر والعصر والعشاء من أربع إلى اثنتين لا يختلفون في ذلك وإن كانوا قد اختلفوا في هذا والمسافة التي يجوز فيها قصر الصلاة على ما نذكره عنهم في الباب بعد هذا إن شاء الله واختلفوا فيمن سافر سفرا مباحا في غير جهاد ولا حج ولا عمرة فروي عن بن مسعود من وجوه أنه كان لا يرى القصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد من ذلك ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ومحمد بن فضيل عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد قال‏.‏

وحدثنا هشيم عن العوام قال كان إبراهيم التيمي لا يرى القصر إلا في حج أو جهاد أو عمرة وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن أن بن مسعود قال لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد قال أبو عمر لم يذكر العمرة لأنها حج وفي معنى الحج قال عبد الرزاق‏.‏

وأخبرنا بن جريج عن عطاء قال ما أرى أن تقصر الصلاة إلا في سبيل من سبل الله وقد كان قبل ذلك لا يقول هذا القول كان يقول تقصر في كل ذلك قال وكان طاوس يسأله الرجل فيقول أسافر لبعض حاجتي أفأقصر الصلاة فسكت وقال إذا خرجنا حجاجا أو عمارا صلينا ركعتين قال بن جريج قلت لعطاء قولهم لا تقصر إلا في سبيل من سبل الخير قال إني لأحسب أن ذلك كذلك قلت لم قال من أجل أن إمام المتقين لم يقصر الصلاة إلا في سبيل من سبل الله حج أو عمرة أو غزو والأئمة بعده أيهم كان يضرب في الأرض يبتغي الدنيا قلت أرأيت بن عباس خرج في غير حج أو عمرة قال لا إلا ما أخرجه إلى الطائف قلت فجائز وأبو عمر وأبو سعيد الخدري قال لا ولا أحد منهم قلت فماذا ترى قال أرى ألا تقصر إلا في سبيل من سبل الخير وقد كان قبل ذلك يقول تقصر في ذلك قال أبو عمر ذهب داود في هذا الباب إلى قول بن مسعود ومن قال بقوله ممن ذكرنا وهو عندي نقض لأصله في تركه ظاهر كتاب الله عز وجل في قوله ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

ولم يخص ضربا في حج ولا غيره وأخذه بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يدل على أن غيره بخلافه وقد ذكر الله الضرب في الأرض ابتغاء فضل الله واختلف أهل الظاهر في هذه المسألة فطائفة قالت بقول داود وقال أكثرهم يقصر المطيع والعاصي كل مسافر ضارب في الأرض‏.‏

وأما اختلاف أئمة الأمصار فيها فقال مالك لا يقصر الصلاة مسافر إلا أن يكون سفره في طاعة أو في ما أباح الله له السفر فيه ولم يحظره عليه وسئل عن المسافر في الصيد فقال إن خرج للصيد وهذا معاشه قصر وإن خرج متلذذا لم أستحب له أن يقصر قال ومن سافر في معصية لم يجز له أن يقصر‏.‏

وقال الشافعي إن سافر في معصية لم يقصر ولم يمسح مسح المسافر وهو قول الطبري قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد بصحة قول مالك والشافعي ومنتهاهما حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل تاجر اختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي ركعتين قال أبو عمر كل ما في كتابنا هذا عن أبي بكر بن أبي شيبة ليس من المسند فيه هذا الإسناد‏.‏

وقال أحمد بن حنبل لا يقصر إلا في حج أو عمرة وقد روي عنه أنه قصر الصلاة في كل سفر مباح‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه يقصر المسافر عاصيا كان أو غير عاص وهو قول الثوري وحجتهم قول الله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

ولم يخص ضربا من ضرب قال أبو عمر وروي عن بن عمر أنه كان يقصر الصلاة إذا خرج إلى ماله بخيبر وعن بن عباس أنه كان يقصر الصلاة إلى ماله بالطائف ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني نافع عن بن عمر أنه كان يقصر الصلاة إلى ماله بخيبر يطالعه قال بن جريج وليس ذلك في حج ولا عمرة ولا غزو وعن بن جريج عن عطاء أن بن عباس خرج إلى الطائف فقصر الصلاة وسئل بن عباس أيقصر إلى عرفة ومر الظهران فقال لا ولكن أقصر إلى الطائف وإلى عسفان وسيأتي هذا المعنى محددا تاما في الباب بعد هذا إن شاء الله‏.‏

وأما حديث عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فقد ذكرنا في التمهيد اختلاف ألفاظ رواته عن بن شهاب وغيره ولم يروه مالك عن بن شهاب وإنما رواه عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة على ما قدمنا في صدر هذا الباب وذكرنا في التمهيد من خالف عائشة في ذلك من الصحابة وغيرهم فقال بل فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وربما قال بعضهم فرضت الصلاة في الحضر أربعا وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين منهم عمر وبن عباس وجبير بن مطعم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد‏.‏

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا موسى بن داود قالا حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن بن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وقد روي عن بن عباس مثله وقد ذكرناه في التمهيد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي قلابة عن رجل من بني عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن أنس بن مالك القشيري ‏(‏رجل من بني عبد الله بن كعب‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وهذا يدل على خلاف ما قالت عائشة إلا أن حديث عائشة من جهة الإسناد أثبت وروى وكيع وروح بن عبادة عن أسامة بن زيد الليثي قال حدثني الحسن بن مسلم بن يناق عن طاووس عن بن عباس قال قد فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر وقد طعن قوم في حديث عائشة لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

فقالوا لو كانت ركعتين لم يقصر لأن الإجماع منعقد أن لا يصلي المسافر الآمن في سفره أقل من ركعتين في شيء من الصلوات فأي قصر كان يكون لو كانت الصلاة ركعتين وهذه غفلة شديدة لأن الصلاة إن كانت فرضت بمكة ركعتين كما قالت عائشة فقد زيد فيها على قولها بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبعد ذلك أنزلت سورة النساء بإباحة القصر للضاربين في الأرض وهم المسافرون وهذا لا يخفى على من له أقل فهم على أنا نقول إن فرض الصلاة استقر من زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين لمن شاء عند قوم وعند آخرين على الإلزام فلا حاجة بنا إلى أول فرضها لما فيه من الاختلاف فمن ذهب إلى الإلزام احتج بحديث عائشة وهو حديث قد خولفت فيه فكانت هي أيضا ‏(‏رحمها الله‏)‏ لا تأخذ به وإنما كانت تتم في سفرها والمصير إلى ظاهر قول الله تعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

أولا لأن رفع الجناح يدل على الإباحة لا على الإلزام مع ما قدمنا من الآثار المنبئة بأن قصر الصلاة سنة ورخصة وصدقة تصدق الله بها على عباده حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا محمد بن أبي خالد عن أبي حنظلة قال سألت بن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء وأئمة الأمصار في إيجاب القصر في هذه المسألة فذهب الكوفيون سفيان الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن القصر واجب في السفر فرضا وهو قول عمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سليمان وطائفة وإليه ذهب إسماعيل بن إسحاق وأبو بكر بن الجهمي وذكر بن الجهمي أن أشهب روى ذلك عن مالك وحجة من ذهب هذا المذهب حديث عائشة فرضت الصلاة ركعتين في السفر والحضر فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وحديث بن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وحديث عمر بن الخطاب قال صلاة الجمعة ركعتان وصلاة العيدين ركعتان وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وذكرنا حديث عمر هذا في التمهيد وذكرنا العلة فيه قال أبو عمر من ذهب إلى أن الركعتين في السفر فرض أبطل صلاة من أتم الصلاة في السفر عامدا أو رأى الإعادة عليه واجبة ركعتين على أنهم اختلفوا في ذلك فقال الثوري إن قعد المسافر في اثنتين لم يعد وقال حماد بن أبي سليمان إذا صلى المسافر أربعا متعمدا أعاد وإن كان ساهيا لم يعد وقال الحسن بن حي من صلى في السفر أربعا متعمدا أعاد إذا كان ذلك منه الشيء اليسير فإن طال ذلك في سفره وكثر لم يعد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه في المسافر يصلي أربعا عامدا بطلت صلاته وعليه الإعادة ركعتين وإن صلاها ساهيا فإن قعد في اثنتين فقرأ التشهد قضيت صلاته وإن لم يقعد فصلاته فاسدة قال أبو عمر لأنه خلط الفرض عندهم بالنافلة إذا لم يقعد في الاثنين مقدار التشهد ففسدت لذلك صلاته عندهم وأصل الكوفيين في مراعاة الجلوس قدر التشهد لأن القعود في آخر الصلاة عندهم فرض واجب والتشهد ليس عندهم بواجب ولا السلام لأنهما من الذكر وحجتهم فيها ذهبوا إليه من ذلك حديث بن مسعود في التشهد لأن فيه عن بعض رواته فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك إذا سلمت بدليل قوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهم يقولون بوجوب الإحرام فرضا فكذلك السلام لأنهما جاء مجيئا واحدا في حديث واحد على أن في حديثهم هذا ما يوجب أن من تشهد وسلم فقد تمت صلاته ودليله أنه إن لم يقل ذلك لم تتم صلاته وقد مضى القول في التشهد في باب التشهد في الصلاة في هذا الكتاب والحمد لله قال أبو عمر الذي ذهب إليه أكثر العلماء من السلف والخلف في قصر الصلاة في السفر أنه سنة مسنونة لا فريضة وبعضهم يقول إنه رخصة وتوسعة فمن جعلها سنة رأى الإعادة منها في الوقت وكره الإتمام وهذا تحصيل مذهب مالك وأكثر أصحابه ومن رآها رخصة أجاز الإتمام وجعل المسافر بالخيار في القصر والإتمام وذكر أبو مصعب عن مالك أنه قال القصر في السفر سنة مؤكدة للرجال والنساء وقال أبو الفرج رواية أبي مصعب أغنتنا عن طلب مذهب مالك في ذلك يعني من مسائله وأجوبته وقال بن خواز مندار المالكي القصر عند مالك مسنون غير واجب قال وهو قول الشافعي‏.‏

وأما اختلاف أصحاب مالك فيمن صلى في السفر أربعا عامدا أو ناسيا فقال مالك من فعل ذلك أعاد في الوقت صلاة سفر وإن خرج الوقت فلا شيء عليه هذه رواية بن القاسم عنه قال بن القاسم ولو رجع إلى بيته في الوقت لأعادها مرة ثالثة أربعا قال ولو أحرم مسافر فنوى أربعا ثم بدا له ثم سلم من اثنتين لم يجزه وذكر بن حبيب عن مطرف عن مالك قال إذا أتم المسافر جاهلا أو عامدا أعاد في الوقت لأنه ما اختلف الناس فيه وروى بن وهب عن مالك في مسافر أم قوما فيهم مسافر ومقيم فأتم الصلاة بهم جاهلا قال أرى أن يعيدوا الصلاة جميعا وهذا يحتمل أن تكون الإعادة في الوقت وقال بن المواز الذي رجع إليه بن القاسم أنه من صلى في سفره أربعا ناسيا لسفره أو عامدا لذلك أو جاهلا فليعد في الوقت وكذا قال سحنون‏.‏

وقال الشافعي يقصر المسافر الصلاة إذا كان خائفا بالقرآن والسنة وإن لم يكن خوف في السفر قصر بالسنة قال ولا أحب لأحد أن يتم متأولا فإن أتم متأولا وأخذ بالرخصة فلا حرج قال وليس للمسافر أن يصلي ركعتين حتى ينوي القصر مع الإحرام فإن أحرم ولم ينو القصر فهو على أصل فرضه أربعا قال أبو عمر أصحاب الشافعي اليوم على أن المسافر مخير في القصر والإتمام كما هو مخير في الفطر والصيام وكذلك جماعة المالكيين من البغداديين وقال الأوزاعي إذا قام المسافر إلي ثلاثة وصلاها ثم ذكر فإنه يلغيها ويسجد سجدتي السهو وقال الحسن البصري فيمن صلى في السفر أربعا بئس ما صنع وقد قضت عنه صلاته ‏!‏ ‏!‏ ثم قال للسائل لا أم لك ترى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تركوها لأنها ثقلت عليهم قال أبو عمر حديث عائشة الذي عليه بنى مذهبه من جعل القصر فرضا يخرجه عن ظاهره تمامها في السفر لأنه لا يظن عاقل بها تعمد إفساد صلاتها بالزيادة فيها ما ليس منها عامدة يدل ذلك على أنها علمت أن القصر ليس بواجب وأنه سنة وإذا كانت رخصة وتوسعة فالناس مخيرون في قبولها إلا أن الأفضل عندي القصر لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره كلها سنة لأمته وفيه الأسوة الحسنة ولا وجه لقول من قال إن عائشة إنما أتمت في سفرها بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تأولت أنها أم المؤمنين فحيث ما كانت فهي عند بنيها كأنها في أهلها وهذا قول ضعيف لا معنى له ولا دليل عليه لأنها إنما صارت أم المؤمنين بأن كانت زوجا لأبي المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم وبه صار أزواجه أمهات المؤمنين وقد روى في قراءات أبي بن كعب ‏(‏النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهتهم‏)‏ ‏[‏الأحزاب 6‏]‏‏.‏

وروي عن بن عباس أنه كان يقرؤها كذلك ولو كان ما ذكروا من تأويل عائشة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك منها وصلاته في أسفاره ركعتين لأنه سن لأمته أنه لا يصلي أحد في موضع إقامته ركعتين في صلاة أربع خلاف ما شرع لأمته وبين في ذلك مراد ربه وقد روى أن عائشة ‏(‏رضي الله عنها‏)‏ إنما أتمت في السفر لوجوه غير هذا الوجه أولاها عندنا بالصواب والله أعلم أنها علمت من قصر النبي صلى الله عليه وسلم لما خير في القصر والإتمام اختار الإقصار ليسر ذلك على أمته وقالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فأخذت هي في خاصتها بغير رخصة إذا كان ذلك مباحا لها في حكم التخيير الذي أذن الله فيه وقد روي عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ذلك حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قالا حدثنا وكيع قال حدثنا المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلاة ويقصر ويصوم ويفطر ويؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وذكر أبو بكر قال حدثنا عبدة بن سليمان عن عاصم بن أبي قلابة قال إن صليت في السفر ركعتين فالسنة وإن صليت أربعا فالسنة قال‏.‏

وحدثنا محمد بن أبي عدي عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران أنه سأل سعيد بن المسيب عن الصلاة في السفر قال إن شئت ركعتين وإن شئت أربعا قال‏.‏

وحدثنا وكيع قال حدثنا بسطام بن مسلم قال سألت عطاء عن قصر الصلاة فقال إن قصرت فسنة وإن شئت أتممت قال‏.‏

وأخبرنا وكيع قال حدثنا عبد الرحمن بن خضير عن أبي نجيح المكي قال اصطحبت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكان بعضهم يتم وبعضهم يقصر وبعضهم يصوم وبعضهم يفطر فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء وروى زيد العمي عن أنس مثله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال كان سعد بن أبي وقاص يوفي الصلاة في السفر ويصوم قال وسافر الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعد معهم فأوفى سعد الصلاة وصام وقصر القوم وأفطروا فقالوا لسعد كيف نفطر ونقصر الصلاة وأنت تتمها وتصوم فقال دونكم أمركم فإني أعلم بشأني قال فلم يحرمه سعد عليهم ولا نهاهم عنه قال بن جريج فقلت لعطاء فأي ذلك أحب إليك قال قصرها وكل ذلك قد فعل الصالحون والأخيار وروى جويرية عن مالك عن الزهري عن رجل عن عبد الله بن مسور بن مخرمة أن سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث سافروا فأتم الصلاة سعد وقصر القوم وذكر معنى حديث عطاء قال أبو عمر وقد كان عثمان يتم الصلاة في السفر بعد ستة أعوام أو نحوها من خلافته وقد تأول قوم عليه ذلك وجوها أربعة ورووا بعضها عنه فذكرتها في التمهيد منها أنه اتخذ أهلا بمكة والوجه الثاني أنه قال أنا خليفة حيث ما كنت فهو عملي والوجه الثالث أنه بلغه أن أعرابيا صلى معه ركعتين فظن أن الفريضة ركعتان فانصرف إلى منزله فلم يزل يصلي ركعتين السنة كلها فلما بلغه ذلك أتم الصلاة والوجه الرابع عن عثمان وعائشة جميعا أصح وذلك أنهما رأيا أن لهما القصر والتمام كما لهما الفطر والصيام ورأيا أن القصر رخصة فمالا إلى التمام هذا هو الذي يليق بهما والله أعلم ولا يصح عندي منها إلا أنه اختار التمام لعلمه بصحة تخيير المسافر بين القصر والتمام وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ومع عثمان صدرا من خلافته ركعتين ثم صلاها أربعا قال الزهري فبلغني أن عثمان إنما صلاها أربعا لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج قال أبو عمر وهذا ليس بشيء لأن عثمان مهاجري لا يحل له المقام بمكة والمعروف أنه كان لا يطوف للإفاضة والوداع إلا ورواحله قد رحلت حدثنا عبد الوارث قال‏.‏

وحدثنا أبو سعيد قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال صلى عثمان بمنى أربعا فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن لي من أربع ركعتين متقبلتين قال أبو عمر عاب بن مسعود عثمان بالإتمام بمنى ثم أقيمت الصلاة فصلى خلفه أربعا فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر روينا ذلك من وجوه وفيه من الفقه أن عثمان لو كان القصر عنده فرضا ما أتم وهو مسافر بمنى وكذلك بن مسعود لو كان القصر عنده واجب فرض ما صلى خلف عثمان أربعا ولكنه رأى أن الخلاف على الإمام فيما سبيله التخيير والإباحة شر لأن القصر عنده أفضل لمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره عليه وإنما عابه لتركه الأفضل عنده وكذلك صنع سلمان سافر مع طائفة من الصحابة نحو ثلاثة عشر رجلا فأرادوه على أن يصلي بهم فأبى وتقدم بعض القوم فصلى بهم أربع ركعات فلما قضى الصلاة قال سلمان ما لنا وللمربعة إنما كان يكفينا ركعتين نصف المربعة ولم يعد صلاته ولا أمر أحدا بالإعادة بل تمادى وراء إمامه ورأى ذلك مجزيا عنه ذكر خبر سلمان هذا عند عبد الرزاق عن إسرائيل وذكره أيضا أبو بكر عن أبي الأحوص جميعا عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال خرج سلمان في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة وسلمان أسنهم وذكر الخبر بتمامه ورواه وكيع قال حدثنا سعيد بن حميد الطائي عن علي بن ربيعة الوالبي عن الربيع بن نضلة قال خرجنا في سفر ومعنا سلمان ونحن اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا راكبا كلهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى ما وصفناه وفي هذا كله ما يتبين به صحة ما ذهبنا إليه في أن القصر ليس بفرض واجب وإنما هو سنة ورخصة والحمد لله وإنما اختار مالك وأكثر العلماء القصر لأنه الذي عمل به النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وكذلك كان علي يقصر في أسفاره كلها إلى صفين وغيرها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا بن علية عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال مر عمران بن حصين في مجلسنا فقام إليه فتى من القوم فسأله عن صلاة رسول الله في الحج والغزو والعمرة فجاء فوقف علينا فقال إن هذا سألنا عن أمر فأردت أن تسمعوه أو كما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشر ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول لأهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر واعتمر واعتمرت معه ثلاث عمر لا يصلي إلا ركعتين وخرجت مع أبي بكر وغزوت فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت مع عمر حجاته فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت مع عثمان سبع سنين من إمارته لا يصلي ركعتين ثم صلى بمنى أربعا‏.‏